الأربعاء، 18 مارس 2015

فوبيا الاسلام في الرواية الجزائرية/ بقلم شوقي ريغي

فوبيا الاسلام في الرواية الجزائرية المعاصرة, بقلم شوقي ريغي.
--------------------------------------------------------------
طالعت في الفترة الأخيرة عددا غير قليل من الروايات الجزائرية التي صدرت في هذه السنوات وقد دعاني إلى كتابة هذا الموضوع ما شهدته في حملة نصرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بعد هجوم الذي تعرض له من طرف تلك الصحيفة الفرنسية, فالغرابة أن كل الذين رفعوا شعارات أنا محمد, أو أنا أتبع محمد, وكأني بهم لم يقرؤوا ما يكتبه (المسلمون) في السنوات الأخيرة عن أنفسهم.
لأن المطلوب حماية الإسلام منا, أكثر من الغرب, الخطر الذي يتهدد الإسلام والمسلمين أصبح داخليا, الخطر أن تستولي تلك الجماعة الإرهابية على اسم الدولة الإسلامية, ونحن نتفرج, مع أن الدولة الإسلامية أوسع من هذا؟ جغرافيّا على الأقل؟ وعرقيا؟ فهي تمتد الدولة من المغرب إلى إندونيسيا, ولو كان جميع المسلمين بذلك الفكر لأبادوا العالم, وأنفسهم.
يقول البعض أن هذا صناعة غربية, أن داعش وأخواتها ليست إلا أداة في يد الغرب الكاره للإسلام والذي لن يرضى عنه حتى نتبع ملته, قد يكونون على حق, قد يكون ما نحن فيه نتيجة لتخطيط غربي شرير يريد ضربنا وتحطيمنا, لكن, ماذا فعلنا نحن في المقابل, أولا إنها تتم بأيادي أولادنا, ويبقى أن نسألهم عن الظروف التي أوصلتهم هناك, وثانيا, لأننا نقول أن هذا ليس هو الإسلام, ومع ذلك نستمر بوصفه بالإسلامي, وتسمح جرائدنا, وشاشاتنا بهذا, وتكتبه بالبنط العريض, الدولة الإسلامية تبيد, الدولة الإسلامية تحرق, الدولة الإسلامية تقتل, عندما تسأل طفل صغير في الحي, ما رأيك فيما تفعل الدولة الإسلامية؟ يجيبك إن ما يفعلون لا يمت للإسلام بصلة, الإسلام ليس هذا, لكن الآخر, الغير, طفل أوروبي, أمريكي أو آسيوي, هل يستطيع أن يفرق بين الدولة الإسلامية, والدولة الإسلامية التي تمتد من إندونيسيا إلى المغرب, والتي ليست شعوبا إرهابية أو جلها ليس كذلك ولا يتبنى ذلك الفكر.
هل نستطيع أن نقنع طفلا أوروبيا أن هناك فرق بين الدولة الإسلامية والدولة الإسلامية؟ في حين أن فكرة الإسلامي الإرهابي مربدّة في عقولنا نحن, متداخلة, وغير واضحة, فنحن منذ زمن طويل لم نعد قادرين على تمييز الحدود بين المسلم والإرهابي, حتى في شوارعنا, حتى في نظراتنا إلى بعض, أكثر, حتى أدبائنا وكتابنا الذين وجدوا كي يجدوا حلولا, وكي يكونوا منصفين, اختلط الأمر على كثير منهم, وكثيرا ما أسمع لفظة متشدد أو إرهابي أو غيرها, يطلقها إنسان كلما رأى آخر بلحية وقميص أبيض, مع أن الإرهابيين يلبسون ألبسة عسكرية, وليس قمصانا بيضاء, ولا ينبغي لهم.
والذي شد انتباهي هو غياب هذه الظاهرة عند الشعراء, ففي حدود ما قرأت من الشعر لم أجد قصيدة واحدة تربط بين الإسلامي والإرهابي, حتى عند أكبر الشعراء تطرفا إلى اليسار, وألح هذا السؤال في ذهني لماذا؟ لماذا هو عند الروائيين وليس الشعراء, إنها قضية على المختصين أن يلتفتوا إليها, الأمر يحتاج إلى كتب متخصصة تدرس الظاهرة وليس إلى مقال صغير في جريدة, خاصة عندما نعرف أن الكلام عن الإرهاب يأخذ جانبه من نظم الشعراء, سيما الذين عايشوا العشرية السوداء, حين أصبح الحقل الدلالي المشترك بين الشعراء, هو قنبلة, مجزرة, دم, دمار, يُتم, وغيرها من المفردات التي تصف ما عشناه تلك السنوات العشر, لكن الأمر كما يبدو كان مفصولا فيه بين الإسلام والإرهاب, ونستطيع أن نقرأ دواوين ودواوين تتحدث عن الإرهاب ولا شيء غيره, كما هو الحال عند زينب الأعوج, وديوانها نوارة لهبيلة, وديوان نور الدين طيبي, وهو يقف عند الطرف الأقصى من اليسار, فها هو يصف إرهابيا,
والذباب الذي يتوعدني بالطنين
يتوعده شرك العنكبوت.
لا زينب الأعوج, ولا طيبي, ولا أي شاعر ممن قرأت لهم, اليساري منهم والمتطرف, لا أحد يربط بين الإسلام والإرهاب, هذه هي الأوصاف دائما, الذباب, المجرمون, القردة, القتلة, الكلاب, الوحوش, فالشعر من حيث هو محلي, من حيث هو روح من الصعب إخراجها من جسدها, وعالم لا يرتسم إلا بلغته المحلية, ولا يستطيع أن ينسلخ من جلدته.
لا يستطيع أن يلبس الآخر (العالمي), ليحاكم ويقاصص من حوله, لأن الآخر لا يتكلم لغته. المحلية, والوطنية, والقومية, فهؤلاء مجاله الحيوي, قضيته, قارئه, والمعني الأول بخطابه ومحاولته للتغيير, عكس هذا يفعل الروائيون, فالرواية من كونها لغة عالمية لا تفقد إلا القليل عندما تحوّل إلى لغات أخرى, فهي تصبو لأن تكون تلك العين الثالثة, وتستطيع أن تصطف إلى جانب الآخر لأنها تخاطبه أيضا.
لأنها تستهدفه كذلك, تستطيع أن تنسل من عالمها وواقعها لأنها قارة على تجنبه, أن تلغيه وتعده في ثوب العدو, الآخر.
يقول اليمين بن تومي في روايته هنا يسكن الحرام, هذه المجموعات صارت تتلقى الفتاوى من كل حدب وصوب، من الشرق والغرب، من فقهاء وشيوخ لا يتقنون غير إطلاق لحاهم وتبييض ترومهم بأقمصة بيضاء يظهرون على شاشات التلفاز في غاية الطهر والنقاء والتقوى، ولكن أفواههم مجرد مجاري مائية نتنة يصدرون فتاوى التكفير التي دفع ثمنها الآلاف وبأبشع الصور..
وفي رواية دوار العتمة لوافية بن مسعود, نجد هذا الحوار الصغير,
- ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ماذا تحتاج مني؟
- السلام عليكم.. قالت أمك أن أراقبك وأضمن أن تلتزمي بحدود الله.
- لا سلام لا كلام.. أمي تعرف البيت لتحدثني فيما شاءت، وأنت ليس لديك سلطة علي أتفهم..
- الله لديه سلطة عليك ونحن هنا لنقنعك بذلك أو نفرضه عليك..
تقول ياسمينة صالح في وطن من زجاج, وجدتني أدخل إلى الأحياء الشعبية التي يقال عنها محررة, بموجب انتماءاتها الـ(عقائدية), دخلتها لأكتشف الناس يمارسون الحياة بطرق مختلفة وبقناعات مختلفة, الرجال بقمصانهم الطويلة ولحاهم المسترسلة والنساء بجلبابهن الأسود, فيخيل إليك أنك دخلت إلى دولة أخرى قابعة على خطوتين من الخط الفاصل بين الدهشة والدهشة, لم اكن خائفا ولا سعيدا ولا منبهرا.
يمكنني أن أسوق العشرات من الأمثلة لأقول شيئا واحدا, أن نخرج قليلا من قشرة الإنسان الجزائري المسلم لننظر إلينا من الخارج, ونعرض أنفسنا للحساب.
أن ننفلت من ذواتنا, ومركزيتها حتى نعرف عنا أكثر, فنصحح ما نراه خطأ, ونثبت ما نراه حسنا, هذا شيء جميل علينا التمسك به, ولكن, على ألا يتحول إلى واجهة تشوه صورتنا عند الآخر.
وإلا, فلماذا نحاكم الغرب, ونتهمه؟ بما أننا من فتح له باب محاكمتنا, وبما أننا نقول عن أنفسنا هذا الكلام زمنا طويلا قبله.

ذات صباح, أفقت على خبر في جريدة, نتنياهو يحذر الملوك والحكام العرب من المد الشيعي, ضحكت كأي مواطن عادي, كأي جزائري ليس جديرا أن يأخذ أبدا نصيحة بنيامين على محمل الجد, أو يتوجس منها على أقل تقدير, لكن اكتشفت أن الكثيرين تبنوا نصيحته, وعملوا بها, الواقع يقول ذلك, ما نحن فيه يقول ذلك, في حين أن منبع مشاكلنا واحد, وقضيتنا واحدة, الصهاينة الذين اكتسبوا شرعية عسكرية من خلال آلة قتل وقمع لم تعرف لها البشرية نضير, الآن هم في صدد اكتساب شرعية فكرية وثقافية, على المسلمين, كتابهم, وشعرائهم, وكل طبقاتهم أن يقفوا بوجهها, ولكن ليس بالقتل والتحريق, والتكفير, ولكن بإصلاح ذات البين, وبعث الروح في الأخلاق التي باتت جسدا خواء, العدالة, والتعايش, والحوار, وإذا اختلفتم في الأمر فردوه إلى فلسطين, إن كان يخدم فلسطين والفلسطينيين فهو ما يجدر بنا ولنا أن نعتنقه, أما ما يضر فلسطين والفلسطينيين, فهو ما يضر الأمة العربية الإسلامية, ويشرخها أكثر, فالحرب حرب صليبية منذ أعلنها جورج بوش الإبن, ذات مساء, قبل أن يتراجع عن كلامه, ولكن ليس عن أفعاله.