الجمعة، 3 يوليو 2015

برزخ الخلود, باكورة الشاعرة سهام بوقرة
انطباعات القراءة الأولى, بقلم شوقي ريغي
منذ سنوات تألقت في مسابقة شاعر الحرية التي نظمتها قناة الجزيرة, وتألقت في الظل سنوات قبل ذلك, وها هي الشاعرة سهام بوقرّة تتكرّم لتزف إلى قرائها أخيرا باكورة أعمالها الشعرية, برزخ الخلود, وهي مجموعة من 14 قصيدة مقسمة بالعدل بين شعر حرّ يغلب فيه الرمل (فاعلاتن) ثلاث قصائد, وأرجوزتين (مستفعلن), ومحاولة واحدة في كل من المتقارب (فعولن), والوافر (مفاعلتن), أما العموديات السبع فقد احتل الصدارة البحر الكامل ثلاث قصائد, وقصيدتين من مجزوء الرمل, ومحاولة واحدة في كل من المتقارب والبسيط.
والملاحظ في موسيقى الديوان أن الشاعرة تعمدت بحورا تامة, استحضرتها من عوالم الشعر الأولى, وكأنها عودة إلى الأصل من أجل بدء جديد, وهذا ما يصبغ أعمالها بألوان الكلاسيكية, حتى أنها لا تتوانى عن التصوير الفوتوغرافي والذي كان سائدا في زمن مضى, فنراها تقول في وصف قسنطينة:
صرْح تحلّى بالرخام كأنه
طلل لها سبأ الملوك تعثرا
منه المربع والمثلث صف به
شرفات وصل للجموع ومنبرا
ولا عن المدح الصريح المباشر:
يا (بابطين) رعاك الله من رجل
في خدمة العلم سقت الدرب أسفارا
آثرتها لغة القرآن كنت لها
أزرا يمد مع التقدير دولارا
فقد بعثت الشاعرة إلى الحياة تلك الإيقاعات الموغلة في القدم, والإيقاعات هذه هي ما جرها إلى طرق مواضيع ذبحها سيف العصر, وهي ما جعلها تستسلم بسهولة للحشو والذي يكون في بعض الأحيان مضرا أكثر من كونه حشوا, فهي تقول مثلا:
زرعوك بالشوك العقيم وأذبلوا
فيك الجمال بوصفه المتعدد
فوصف الشوك بالعقيم ينبغي أن يكون يخفف وقع الفجيعة لأن مصيبة الشوك أنه يتناسل ويتجدد, وقولها:
مني إليك أزفها رقراقة
عبر الحمام الزاجل المتهدهد
فلفظة المتهدهد لا تقود إلى معنى واضح, وإنما كانت لتستقيم القافية, والحشو آفة الشعر العمودي خاصة, فتلزم براعة كبيرة حتى تستوي الفكرة على البيت من دون مفردات زائدة.
لقد تفضّل أستاذنا الفاضل العربي حمدوش بتقديم برزخ الخلود في مقدمة من 10 صفحات, تطرق فيها باختصار إلى مواضيع القصائد, وبعض جمالياتها, ولكن الشاعرة ابت إلا أن تقدم نفسها في أول نص عنونته, توقيع سهامي, فنجدها تناجي الشعر, وتحاول أن تقبض على لحظة الإلهام فتصورها كلحظة استكانة وانتفاضة وانتشاء, ليرفعها إلى عاشقة متيمة بالحرف,
إن تضوعتَ انتشت روحي وقالت  في حنين
كم أحبك.
ثم تعود إلى صورتها فيه, فتعود للإحباط والاصطدام بالواقع,
إنني المولوع في عمق التجني
هائما يطوي الزمان
حالما تطويه أقدار بليدة
تلو أحلام سعيدة.
تختلف قصائد الديوان في موضوعاتها, منها ما هي عامة, كالقضية الفلسطينية, ورسائل الغرام إلى مدينة الصخرة, قسنطينة, المدينة الساحرة, ومسقط رأس الشاعرة, ومربع صباها, وخطواتها الأولى في الحياة والشعر, وهناك قصيدة عن مدينة تيديس الأثرية, وأخرى عن الدورة التي أقيمت في جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية, (دورة العروض وتذوق الشعر), برعاية مؤسسة البابطين, فنرى نوع من القصائد, يتميز بإطلاق الأحكام, والتقرير, ولكن هناك من القصائد ما هو ذاتي, في صميم الشعرية الحديثة, ومن ذلك مثلا قصيدتها عتاب لؤلؤة, وذلك الاستحضار الجميل والمميز لرمز الشمعة, فقد وفقت الشاعرة إلى حد كبير في استجلاء أبعاد الرمز وتأويلاته المختلفة, فجاء بناء القصيدة متماسكا يثبت بأننا ولا شك أمام شاعرة بإمكانها أن تفعل اكثر بكثير من هذا.
ومما يجدر التطرق إليه هو أن الشاعرة مهوسة بالتراكيب المستحيلة, وخير دليل على هذا الكلام عنوان المجموعة برزخ الخلود, فالبرزخ لغة هو الحاجز بين شيئيْن, أو زمنين, وهذا معناه أنه طال أو قصر مرحلة مؤقتة, لكن الشاعرة أردفته إلى لفظ الخلود بمعناه اللانهائي, لينبني هذا التركيب المستحيل بين لفظتين متناقضتين, ونفس الشيء نقول عن عنوان قصيدتها, غيث وأقمار, فالغيث يستدعي السحاب بالتالي غياب القمر, لكن الشاعرة جمعتهما معا, لحاجتها إلى النور والماء معا حتى يفيا قدر الممدوح الذي أنار وسقى مشاتل الشعر بدأبه المشهود.
استوقفتني هذه الأسئلة وأخرى, وأنا أطالع هذا المولود الجديد الذي ازدانت به مكتبة الشعر القسنطيني الجزائري العربي, والذي نرجو أن يكون فاتحة خير على الشاعرة وعلى واقع الأدب في بلادنا وأمتنا.
أما هذه الملاحظات, فلا تعدو أن تكون أكثر من انطباعات قارئ, وقد تختلف الأذواق, وهي لا تنقص بأي حال من الأحوال من قيمة الديوان, ولا قيمة الجهد المبذول لتأليفه, وإخراجه, فإن قارئ برزخ الخلود على موعد مع الكثير من الأمور الجميلة والجديدة المطروحة بحسّ راق, وقلب محب وإنسانية خالصة, فسهام بوقرة مثال للشاعر الملتزم والذي لا تشغله حياته الخاصة وآلامه الذاتية عن قضايا وطنة وأمته.
وخير ما أختم به هذا الصفحة هذه المقطوعة التي أوردتها في الصفحة الرابعة من الغلاف,
لملمي الأفق وطوفي
في نقاطي وحروفي
واقرئيني كيف شئتِ
في انتشائي وعزوفي
بسملي إن شئت قبلا
ثم غوصي في كهوفي
فأنا في البوح طفل
وبحال الصمت صوفي
وأنا مد وجزر

للأماني والصروف