يعود أول فيلم جزائري (الليل يخاف من الشمس) لمصطفى بديع، إلى سنة (1965)، يليه (ريح الأوراس) للخضر حامينا (1966)، هذا إذا استثنينا طبعا الأفلام الكولونيالية التي كانت تنتج من طرف معمرين فرنسيين في أرض الجزائر، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر، فتاريخ السينما في الجزائر قصير مقارنة بالسينما العالمية، وحتى الآن، فأنت لا تستطيع أن تتكلم عن سينما في غياب قاعات عرض، المشكلة هي البداية، الأساس، والهيكل، هناك ولايات جزائرية لا تحوز على قاعة عرض واحدة، فما بالك بالدوائر، والبلديات.
في العالم الحديث نتكلم عن الصناعة السينمائية، القطاع في الأصل هو قطاع اقتصادي يذر أرباحا قبل أن نتكلم عن أنه مستهلك للآداب، ومبشر بالأفكار، وناشر للثقافة، والوعي، إنه قطاع منتج (تجاريا)، يساهم في اقتصاد الوطن (ضريبيا)، ويوفر مناصب عمل، فلماذا يتجاهله المستثمرون؟ وتتجاهله الدولة؟
هل الرواية الجزائرية ضعيفة بحيث لا تغري المخرجين، والمنتجين؟ أم أن الأخيرين أدنى ثقافة من أن يقرؤوا رواية جزائرية جديدة؟ أو يعرفوها؟ أو يسمعوا بها أصلا؟ إننا بعيدون حتى عن طرح هذا التساؤل، لم نبلغ هذه المرحلة بعد، هذا الكلام سابق لزمانه، ونحن، في هذا المجال، أكثر تخلفا من أن نعطي أنفسنا الحق في نقاش كهذا، بما أننا لم نبدأ من البداية، من إعادة الاعتبار لقاعة العرض، وتعميمها، وإعطائها صبغتها الترجارية المربحة والتي تضمن لها الاستمرار .
ومعاناة السينما الجزائرية، هي معاناة الرواية، الرواية التي ليست مشروع فيلم، مسلسل، وثائقي، أو تاريخي، هي رواية موؤودة، لن تعرف أبدا جمهورها الحقيقي، الواسع، والتي تستهدفه، لتحقق على الأقل الربح المادي، والذي يسمح للكاتب بكتابة نص آخر، وللكتابة بحرية أكثر، بما أن الارتباط بالقلم، فقط، هو أوج حرية الكاتب.
الكتّاب في الجزائر، والسينمائيون يعيشون على الجوائز، وينتظرون المهرجانات، وحدها الجوائز والمهرجانات هي ما يتيح للكاتب أن يعيش كاتبا، أو للسينمائي أن يعيش سينمائيا، ولهذا صارت الجوائز هوس الغالبية، ولهذا نصاب بما يشبه الإحباط الجماعي كلما خلت قائمة إحدى الجوائز من أسماء جزائرية، عدا ذلك، بقايا المبدعين الجزائريين وحتى الفنانين الكبار يزاولون حرفا أخرى، ليعيشوا، وليكسبوا لقمتهم، وهذا يجعل العمل الإبداعي يبقى دائما مجرد هواية، غواية، أو ترف، ولن ندخل أبدا عالم الاحتراف، والاحتراف هو ما من شأنه أن يعيد الحياة، للكتابة، وصناعة السينما، والثقافة ككل.
الاحتراف هو ما يعطي الأشياء قيمتها، يثمّنها، ويبعث المنافسة، وما يفعله الكتاب اليوم، والسينمائيون، لن يبتعد عن محاولة مد أجل لأمر يبدو محسوما، الجهود الفردية التي نراها هنا وهناك من خلال بعض الروايات التي تتحول أفلاما، بعض الروايات المكتوبة على حدة، أو الأفلام التي يختار مخرجوها أن يكتبوا نصوصهم الخاصة، كل هذا ما هو إلا شعلة نحيلة تحاول أن تصل إلى جيل يمكن أن يفعل بها شيئا (صحيحا).
أما السؤال الذين علينا أن نطرحه اليوم، فهو السؤال البدائي، العتبة الأولى، متى نبدأ
التفكير في بناء وتعميم دور السينما في بلادنا؟
يومية الحياة 28/01/2015