الأربعاء، 6 مايو 2015

http://www.elhayat.net/article23211.html

================
الأدب والسياسية بقلم شوقي ريغي

يقول المثل الفرنسي, السياسة فنّ الكذب, وقد قال جوبلز وزير الإعلام الألماني في عهد هتلر, اكذب, ثم اكذب, ثم اكذب حتى يصدقك الناس, وفي سنة 2011 نشر جون ميرشايمر كتابه (حقيقة الكذب في العلاقات السياسية الدولية), وقد أسهب في تفصيل العلاقة بين السياسة والأكاذيب, أنواعها, والأسوأ بينها, وسلسلة طويلة من الكذبات التاريخية, أما الأدب فهو عكس ذلك تماما, إنه الصدق بالمطلق, وبمعانيه الجزئية التي تصنع ذلك الكل, وقد عبر الشاعر قديما فقال,
وإن أحسن بيت أنت قائله
بيت يقال إذا أنشدته صدقا
لكن هذا في الظاهر فقط, فمنذ البداية, منذ ملاحم جيلجاميش والمهابهارتا والإلياذة, وأدباء العرب الجاهليون مع عصبيتهم القبلية, وحتى اليوم, لن تجد كاتبا واحد لا يثير مسائل سياسية, بأكثر أو أقل صراحة, وبأكثر أو أقل وعي, فالسياسة تصنع الواقع, وتضمن استمراره, والأدب بطبيعته هو نقد مستمر لهذا الواقع. إنه ثوري, ومتحرك, ومتطلّع لما هو أسمى, ومن هنا تحدث تقاطعات عرضية, وتداخل في الصلاحيات, وقد رافقت كتابات مكسيم غوركي, وألكسندر هيرزن الثورة البلشفية, وغذت أفكار فولتير وروسو الثورة الفرنسية, وقد كان نجيب محفوظ أقل الكتاب خوضا في سياسة بلده, ولكن هذا لم يمنع السلطات المصرية من منع دخول ثلاثيته, وروايته الأشهر أولاد حارتنا إلى مصر حتى سنة 2006, بعدما صدرت ببيروت في 1962.
إلى درجة معينة تتداخل السياسة, والأدب في كلّ العالم, وعلى مرّ التاريخ, لكن في الجزائر, هناك أزمة حقيقية, مرض, حيث تقرأ دواوين شعرية أو روايات تختص لخدمة توجه سياسي معين بكلّ مساوئه, مع العلم أن الغالبية العظمى من الأحزاب الجزائرية مريضة لا تعكس توجهات معينة بل شخصيات معينة, زعامات, وديكتاتوريات مصغرة, وهذا أهون الضرر, لأن هؤلاء وإن لم يكونوا أدباء فهم على الأقل أناس يعرفون مصلحتهم أين, الأسوأ منهم هم هؤلاء المعارضين بدوام كامل, والذين زاد الفيسبوك درجة نشاطهم, , فهم يعلّقون وراء كل وزير, أو سفير, ويعارضون من أجل المعارضة, وأحيانا بعبارات, وقراءات أتفه مما قال ذلك الوزير أو السفير, وتحطّ من قيمة أصحابها, وقد تكون مسلية أحيانا, ولكنها أبدا لا تبني ولا تزيد شيئا للقارئ.

إن صفة معارض, أو مؤيد, لا تليق بكاتب, فكلاهما يخفي نصف الحقيقة, وهذه جريمة في شرع الأدب والأدباء الذين يحترمون أقلامهم, الأديب الحقيقي هو من يملك جرأة الاعتراف بمنافسيه, وخصومه, فمجاله الفكرة, والحياة تتسع دائما لفكرتين, وهذا ما لا يفعله السياسيون, فمجالهم الكرسي, وهو لا يتسع أبدا لمؤخرتين.