الجمعة، 6 مايو 2016

السؤال المطروح, بقلم شوقي ريغي


هل نجحت قسنطينة في أن تكون عاصمة للثقافات العربية؟ وما هي معالم هذا النجاح؟ وهل فشلت؟ وما هي معالم هذه الفشل؟
سؤال لن أجيب عنه.
أذكر, في البداية, تساءل بعضهم, لماذا قسنطينة, وليس مدينة أخرى؟ وكان الجواب الجاهز, لتاريخها الضارب في القدم, لأنها مهد جمعية العلماء المسلمين, لأنها المدينة العربية التي خلدها الأدباء في كتاباتهم أكثر من أيّ مدينة أخرى باستثناء القدس العاصمة الأبدية للثقافة العربية, لأنها المدينة ذات الجغرافيا الساحرة, بموقعها على الصخرة, وجسورها وهندستها, وأيضا, لأنّ قسنطينة كانت منذ الاستقلال المدينة الأقلّ حظّا في مشاريع التنمية, والتوسعة, والتهيئة, قياسا بعواصم البلاد الأخرى.
من البداية أيضا حاولت بعض الأطراف تكسير التظاهرة, وعرقلتها بكلّ الطرق, اخترع الشعار الموازي "قسنطينة عاصمة الثقافة الأمازيغية", وكثر التساؤل عن الجدوى, والفائدة من هذه التظاهرة, ومثيلاتها, إن لم يكن تبذير المال العام من أجل (الشطيح, والرديح)؟
هل فشلت التظاهرة؟
كثيرون كانت لهم التظاهرة فرصة ليثبتوا أنهم على قدر المسؤولية, لا أتكلم عن أشخاص بعينهم, لكنّي لاحظت كما لاحظ القسنطينيون أن الساحة المهجورة (لابريش) والتي ظلت لعقود وكرا للفساد يحتلها الآن فندقان محترمان, وفي ظرف قياسي شيّد لأوّل مرّة فندق خمس نجوم, وشيدت العديد من المنجزات الثقافية على رأسها قاعة الزينيت, وأعيد ترميم قصر الباي, وكثير من البنايات التاريخية, وعبدت الأرصفة, وركبت الكاميرات في مفترقات الطرق الرئيسية, ولن ينكر أحد أن التغيير الذي طرأ على قسنطينة في السنتين الأخيرتين يعادل أو يتجاوز ما أنجز منذ الاستقلال أو قبل ذلك.
كانت هناك حفلات راقية, وأخرى أقل رقيا, عروض مسرحية جيدة, وأخرى أقل جودة, ملتقيات, وندوات قيمة, وأخرى أقل قيمة, وفي هذه السنة رأى القسنطينيون لأول مرة معارض للكتاب في الهواء الطلق في ساحتي (لابريش), والجامعة المركزية.
ثم إن المدينة ربحت هذا اللقب الذي سيرتبط باسمها لسنوات أو عقود بعد اليوم, فلماذا يتحدثون عن الفشل, لقد ربحت قسنطينة كثيرا من الأشياء  الجيدة, خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ضيق الزمن الذي حضر فيه لاستقبال التظاهرة, فهل نستطيع أن نقول أن التظاهرة نجحت؟
منذ البداية أيضا, أعطى كثيرون ظهرهم للحدث, وأعلنوا, أو أضمروا المقاطعة, وبيتوا لها وتآمروا عليها, والمؤلم في الأمر أن غالبيتهم كانوا ممن يحسبون عليها.
كثير من الانتهازيين الذين سمعناهم ينعقون كالغربان المشؤومة, ينتقدون كلّ شيء, وكلّ الناس, وفي الأخير سكتوا تماما ما أسندت إليهم أدوار, هم معروفون لدى الداني, والقاصي, وموجودون في كل مكان, ولا مجال للحديث عنهم الآن.
أذكر أني حضرت نشاطا في إطار جولة الشاعر التونسي الكبير منصف المزغنّي, واندهشت عندما دخلت قاعة محمد العيد آل خليفة, ولم أجد إلا السيد نور الدين بوقندورة مدير الثقافة للولاية, والشاعر, وحيدين, ولا أحد غيرهما, وهو, منصف المزغني, والذي احتفي به في كلّ الولايات التي زارها لم ينشط أمسيته في عاصمة الثقافة العربية بالتحديد.
وهل هي مصادفة أن تجمد جائزة, مثل جائزة العلامة عبد الحميد بن باديس في هذه السنة تحديدا؟ والتي كان سنويا يرعاها المجلس الشعبي الولائي, والتي قيل في البداية أنها ستكون هذه السنة بصبغة عربية.
ولماذا تبخر مشروع ألف وخمسمئة كتاب؟ والذي هو في الحقيقة أهمّ, وأدوم, وأنبل مشروع كان سيكون.
وقد كنت, كمواطن قسنطيني -أحسب نفسي على المثقفين- أتمنى أن تترجم, وتنشر المؤلفات المكتوبة بلغات أجنبية والتي خلفها المعمرون وراءهم سنة 1962, وخاصة تلك المخطوطات العبرية, والتي يعود تاريخ بعضها إلى سنوات دخول اليهود إلى المدينة في القرن السادس عشر, هاربين بحياتهم من محاكم التفتيش وآلة التقتيل الإسبانية في الأندلس الضائعة, ويقال إن تلك المخطوطات تعدّ بالآلاف, وتدور في غالبيتها حول تاريخ المدينة, والجزائر ككل.
قسنطينة عاصمة للثقافة العربية كان حدثا مميزا في تاريخ هذه المدينة, وإن كان هناك نقائص, خاصة في الشق الثقافي, فلأن العروس لم تتحضر ثقافيا (من التحضير, وليس الحضارة) قبل العرس, والسؤال الذي ينبغي أن نجيب عنه, ليس هذا, هل نجحت التظاهرة أم فشلت؟

إنما هو, ماذا سنفعل الآن؟ وكيف علينا أن نتصرف حتى نتقي الفشل القادم؟