الأحد، 13 مارس 2016

هن: بقلم شوقي ريغي.

لم أضع يوما حدّا بين ما هو أنثوي وذكوري عندما يتعلق الأمر بالإبداع, النص الأدبي نص إنساني يخضع إلى كثير من المعايير الجمالية ليس من بينها جنس, أو لون صاحبه, أما هذه التقسيمات سواء جاء الأمر من جهته أو من جهتها, فهي في نظري إما محاولات لتقزيم الشواعر, وجعلهن دائما في مرتبة ثانية, وإما العكس تماما محاولة للتضييق رقع المنافسة للحصول على فرص أكبر للبروز, والظهور على الساحة لكن ما دفعني لتخصيص هذه المساحة لهن هو من باب الاحتفاء بهن, في يومهن العالمي, فكلّ عام, ونساء الجزائر مبدعات في شتى الميادين.
هي  
أحلام مستغانمي, أميرة الكلام, الشاعرة التي دوخت بكلماتها قراءها, وأسكنتهم كزهر اللوز أبعد, أحلام التي لا تعرّف, ولا توضع في إطار, الظاهرة الأدبية الجزائرية التي خرقت حدود الوطن, وأسرت قلوب المئات بأسلوبها, ولغتها الانزياحية, هي التي جعلت المفردات تقف أمام المرآة, وترشّ على وجهها مساحيق التجميل في انتظار دعوة من قلمها إلى العرس اللغوي المقيم في نثرها, وشعرها, وهي التي تعرف كيف تتوج أبسط العبارات بتاج السحر الذي لا يتقن طقوسه إلا الكبار.
لأني رفضت الدروب القصيرة
وأعلنت رغم الجميع التحدّي
وأنّي سأمضي
لأعماق بحر بدون قرار
لعلّي يوماً
أحطّم عاجية الشهريار
أحرّر من قبضتيه الجواري
لعلّي يا موطني رغم قهرك
أعود بلؤلؤة من بحاري
...
لأنّي صرخت أريد الحياة
لأنّي وقفت أمام الغزاة
قراصنة البحر ثارت عليّ
تحاصر كل سبيل إليّ
تمزق كلّ شراع لدي
...
.
ولكنني رغم كلّ اغترابي
سأبقى على مهرة من عذابي
وأزرع في العمر ضوء الشباب
وعند بداية كلّ احتراق
أموت أنا ويظلّ الحريق

وهي
نسيمة بوصلاح, القطرس الذي يحلّق في سماء الشعر, لا تكتب قصائد, بل معارك, عندما تلج عالمها الشعري تورطك شئت أم أبيت في صراعاتها, تملؤك من الهواجس, والريبة, إنها قصائد بأعصاب مشدودة, تحسّ أنها ستنفجر, أو ستستلّ سكينا, في قصائدها مطارات, الكثير منها, إنها تحيا بين بين, ممزقة, بين طموحها, ووطنها, الوطن الذي هو سجن من الداخل, وجنة من الخارج, تكتب على نسق واحد تقريبا رغم طول تجربتها الشعرية, لم يتغير منه إلا البناء الموسيقي الذي راح يهدأ, حتّى أنّها نظمت آخر قصائدها على العمود, واستعارت عن وجهها المكشوف وسط المعارك, بالأقنعة, فهي مريم مرة, ومرة نجمة بنت الحسين, 

المطارُ مُكَاشَفَةٌ شَاسِعَهْ ...
بِبَالِ الخرائطِ مَشْرُوعُ تِيهٍ،
وبردُ الحنينِ..،
جوازٌ لِسَفْرَاتِنَا الرَّادِعَهْ ...
ولا شيءَ غيرَ الأُفولِ المعلَّقِ فوقَ الغيومْ ..،
وغيرَ خُطانا التي أنكرتْ حَيَّنَا،
حينَ أوحَى لها ظِلُّ تلك المسافةِ أن تَتْبَعَهْ ...
صديقي الذي..،
تَعَرَّتْ أساريرُهُ الدَّامِعَهْ ..،
لم يَعُدْ مُمْكِنًا،
تقاذَفَهُ اللغوُ والطائراتُ..،
ومكرُ الـمَنَافي..،
وفزَّاعَةُ الحُلْمِ والأقْنِعَهْ...
صديقي الذي .،
اقْتَرَفَتْهُ الحقائبُ والأَمْتِعَهْ..،
صارَ مثلَ البريدِ الذي لا يجيءْ..،
مُمْعِنًا في حدودِ الخُرافةِ،
في حدودِ اللغاتِ،
في حدودِ أحاجي الهوى الموجِعَهْ...
صديقي الذي ..،
تنامُ على خدِّهِ زَوْبَعَهْ..،
كانَ يَوْمًا هُنَا،
فَرَّخَتْ في خُطَاهُ الجِهَاتُ،
فَصَعَّرَ للرّيحِ والطَّيِّبِينَ،
وأشعلَ في يُتْمِهِ عَتْمَةً،
لأقرأَ كفَّ اللغاتِ الغريبةِ في دمعهِ..،
ثم أبكي مَعَهَ....
وهي
حسناء بروش, أميرة المجاز, الفيلسوفة,  قد تبدو قصائدها غائرة المعنى, وغامضة, لكنها قصائد واعية تسافر بعيدا في العالم اللامادي, عالم الروح, والوجدان, قصائد حسناء أرستقراطيات متكبرة, إنها المساءلات الكامنة في الوعي البشري القصي, قد لا تتنازل لأي قارئ, ولكنها حين تجد ذلك القارئ الذي لا يتوانى عن التطلّع إلى البياض, سيكتشف حتما ذلك العالم الحقيقي الكامن وراء المتناقضات والجمل الاستعراضية الباذخة الكثافة والثقافة.
ضِدَّان منِّي
يا أنَـا..
والضِّدُّ..
يمحُو الضِّدَّ..
كَي يتَمَايزَ
المعْنى حيَـالَهْ..
وأنَـا محوْته..
..مَا أنَـا...
مَاصِرتُ مَعْنَـاه ..
ولا مَعْناي
صَيَّرني احْتمَاله..
ضِدَّانِ مِنِّي..
غَيْر أنِّيَ..
لاَ أَؤُولُ إلَيْهِمَا
حِين النَّقِيض يُذَيِّل
المعْنَى النَّقِيضْ
وأنَا الشَّبيهُ..
أُقَيِّضُ المعْنَى
الشَّبِيهَ.. فَأيُّـنَا..
يُفْضَى
إليه بنَقْصِـه..
أَو أيُّنـَا ليْسَ
اكْتِمَالَـهْ..؟

وهي
حنين عمر, (متنبية) الجزائر, بحر التحدّي, بقاموسها المحيط, بطروحاتها الجريئة, وأدائها المستفز, إنها من بين قلّة تجاوزن الإحباط, وقهرن اليأس, ما زال نقع حوافر الخيل يتصاعد وراء جيش حروفها, ورائحة البارود الزكي جديدة تفوح من مقاطعها التي لا تهرم, ولا تنهزم.     
متى يستفيق العرب
سؤال يسائل أنفاسه
يهزّ التوترُ إحساسه
ولا من جواب

سؤال وصمت المدى يرتديه
فمن قد يجيب الذي لا يجاب
ومن يا بلاد العروبة ظل وفيا
بحق انتماء لشبر تراب

متى يستفيق العرب
سؤال يدور يدور يدور
ويتعب من دوران المكان
ويتعب من دوران الزمان
ويتعب من دوران الغياب

سؤال غبي
أحاول إطلاق يأسي عليه
وقتله كي يستريح اكتئابي
ولما يموت
أحاول تجفيفه كالزهور
وتحنيطه في ثنايا كتاب
ولكنه
يتعفن أكثر
ويصبح إلحاح صوته أكبر
ويجمع حوله الف سؤال
وكل سؤال قطيع ذئاب
وما بين ناب وناب وناب
وما بين تذكرة للمجيء
وتذكرة للبقاء
وتذكرة للذهاب
تنادي شرايين نزفي
تنادي مساءات خوفي
ينادي العذاب
متى يستفيق العرب

وهي
رقية لعوير, الشاعرة التي بعثت رابعة العدوية من رقدتها, تلك التي طلقت في قصائدها كل ما هو مادي, وكل ما هو جسد, لتحيي ذلك الارتباط الغيبي بحبيب ولا ككل الأحبة, تحاول رقية أن تحلّق بالقارئ إلى عالمها المثالي, على إيقاعاتها الهادئة, وصورها الهامسة, تحاول أن تنسج عالما بلا حروب ولا شياطين, إنها بحقّ ملاك شواعر الجزائر,   

أدمت دموعي مقلتي
والخوف منك يميت قلبي سيدي
ضاقت بي الدنيا بما وسعت
فهل لي من مجيب ؟
ألغيت كل حنان قلبي
وعصرت عقلي كل عقلي
وأدرت ظهري للحياة
يؤوسة
وكئيبة
ومملة
ضاقت بي الدنيا بما وسعت
فهل لي من قريب ؟
عشت الدمار
وعشت  أهوال الحياة بكل حلة
ومضيت أبحث عن رقية
كل هذا العمر أبحث
لأرى السراب
أرى العذاب يلفني في كل مرة
ومشيت عمرا محزنا
وتركت آثار العذاب تجر فكري
ضاقت بي الدنيا بما وسعت
فهل لي من قريب ؟
يا سيدي
وهي
مفيدة زغدود امبارك, (نزارة) الجزائر, تكتب, وكأنها ترقص, تكتب, وكأنها طفلة تلعب, تأسر القارئ برشاقتها, بأسلوبها غير الاعتيادي, بمشاغبتها, بانطلاقها, ومشاعرها الصادقة, وبمحاولاتها الدائمة الدؤوبة لخلخلة وتحريك العمود الموروث الجامد, وبقدرتها على الامتداد, والسير مسافات بعيدة دون ملل, ودون عثرات.  

أتدرين لم أبكي ؟
لأنّ العمرَ لا يكفي لأحضنكِ
و لا يكفي لكي أُمضي
على صدري أناملكِ
و كي أسقيكِ من لَهَفي
و كي للرّوح أُرْسلكْ
و أذبَل فيكْ كالكلمات
أرسمَ فيّ ساحلكِ
و أقتلَ فيّ هذا الشّوق
كي أُرخي جدائلكِ
و أقتلَ فيّ هذا القلبَ
يكبرُ فيّ حاملكِ
وأقتلَ فيّ هذا الحب
يمضي كي يُسائلك
ستدرين لم أبكي
إذا عندي
فقط تدرين منزلكِ

أحبّ مدينة تدعى جدائلكِ
أحبّ قصيدة تدعى:
ستأتينَ
و أبقى في حدائقكِ
أحبّ فراشةً تدُعى
قسنطينة
و أبكي ملءَ قُبلتها
إذا غادرتها يوما
فلا تبقى و تبقينَ
على صدري كرعشتِه
و في حلمي كوردتِه
و في الأحشاء سكّينا
وهي الخالدية جاب الله, برومنسيتها التي تحرّك الجماد,  قصائدها مرايا, يسقط عليها الموات والأشياء فتنعكس على صفحتها حيّة متفاعلة, تتحرّك, تتآمر, تفضح, وتحيك الدسائس,  شعر الخالدية لا ينطلق من فراغ, ولا يهوي إليه, شعرها رؤى, وقراءات جديدة لكل ما تزدريه الأعين المسطحة,

جمادٌ
وثمّةَ شيءٌ أنا لا أراهْ
يحاصرُ وجهيْ
و يغلق كلَّ الممرات في داخلي
و أصحو
تُمزّقني الذكريات التي لا مذاق لها
و تفتح جرحاً أنا ما عرفتُ سواهْ
و أمضي
مواسمَ ملحٍ بأكملها تستفزُّ دمي
و تَلُوكُ حياتي
فيفقد وجهي مداهْ
جمادٌ
تتاجرُ بي أمسياتٌ من البرد و السّهدِ
ثمّ تُخلِّف قلبي وحيداً أضاع هداهْ
و أذكر حين احتواني المساءُ
و غيّبني الانتظار طويلاً
أنا!.. لا .. أنا!
و البقيّة تأتي إذا ما يُظلّل جُرحي سماهْ
و خلف الحدود التي أوغلتْ في التلاشي
وقفنا كلانا..
نواصل كذبتنا بكثيرٍ من الصدقِ
و الخوفِ يوم اعتراهْ
جمادٌ
و ليلٌ أطلَّ على دمعتي
و رأى مُهَجاً شارداتٍ
و يأسٌ تجمّلَ بالصَّبرِ حتى أقاصي رؤاهْ
تُقشّرُ أفراحنا هذه الانكساراتْ
و تلهث مثل الذئاب وراء المساءاتْ
ووحدي أمرّرُ كفّي على صبوتي ليُسيّجَ وردي شذاهْ
يشقُ البياضُ طريقه نحوي
و يجثو على ركبتي الكبرياءْ
أوسِّدُ هذا الفضاءَ ذراعي
و أصلبُ قامتكَ المستحيلةَ
عَلَّ الجمادَ يُلملِمُ وجه السماءْ
على مهلكَ الآن يستيقظُ الشوقُ
يَمْشِي إليَّ
يُفخّخ كلَّ الدروبِ
و يهزأ بالصبرِ و الدمعِ و الأغنياتْ
بنورسةٍ لم تعد تشبه الصحوَ مثلي
وتُشعلُ في غفلةِ الحزنِ
حُلْما يعودُ صباهْ!
وهي الوازنة بخوش, نجاح حدّة, كنزة مباركي, سمية محنّش, و حليمة قطاي, وهي, وهي, كثيرات, نجمات يضئن سماء الشعر في بلدي, فعذرا ألف عذر للوات حرمني ضيق هذا الهامش من الحديث عنهن, أو  قصرا, أو  جهلا, كلّ يوم, وأنتن أعياد الجزائر وأفراحها.



* ملاحظة, هذا الترتيب عفوي ليس من ورائه قصد أو تمييز.