السبت، 26 سبتمبر 2015

مع رابحي وبومعزة, الأديبين.


خاصة 


مع الشاعر عبد الكيرم العيداني







http://www.elhayat.net/article33397.html


في سنوات الاستعمار الفرنسي, كان الطفل الجزائري يوجّه إلى الكتّاب في سن الرابعة, أو الخامسة, وفي سن التاسعة أو العاشرة ينتقل إلى مساعدة أبيه في تحمل أعباء البيت ومشاق الحياة, في الحقل أو في أي مهنة أخرى, بينما يواصل على الأقل أبناء الطلْبة(حفظة القرآن), وبعض المحظوظين ختم القرآن, والذي يكون عادة من 12 إلى 15 سنة, ومن ثمة يكون على كل واحد منهم الهجرة إلى مشاتي, وقرى جديدة, لتأسيس كتاتيبهم الخاصة, طلبا للرزق ونشرا للعلم.
بهذه الطريقة حفظ الكتّاب الهوية الجزائرية في مراحل من تاريخ أمتنا كما لم تفعل أي مؤسسة أو هيئة أخرى, وقد نجحت تلك الخلايا المنتشرة في كلّ قرية, ومشتى, وكل تجمع سكني مهما كان تعداده في بناء ذلك الحائل بين الأهالي وكل محاولات الإدماج والصهر والطمس الممارسة عليهم من طرف أكبر قوة استعمارية في المنطقة آنذاك.
بعد الاستقلال, فرض التعليم النظامي, فتراجع أداء الكتّاب بسرعة, مع ذلك فقد ظلّ يؤدي دورا تعليميا, وتربويا, مؤثرا, فيتعلم الطفل في سنة أو سنتين, حروف الهجاء وبعض قصار السور, ليكون قد أنجز أشواطا قبل الدخول إلى مدارس الدولة ما يسهل عليه فيم بعد عملية التعلّم والتلقي.
أما اليوم فقد أصبح الكتاب يلعب دور دار الحضانة, أو الروضة, والسنة السادسة صار معناها سنة الخروج بالنسبة لغالبية المتعلمين, أما البقية, فتتسرب شيئا فشيئا بعد ذلك بما فيهم أبناء الطلْبة الذين كغيرهم أصبحوا يريدون الاكتفاء بالتعليم النظامي, ولم يعد يصل إلى مدى رحلة الستين إلا حالات نادرة هنا, وهناك, لأنّ الأمر مرهق فعلا, فأذكر أننا ندخل الكتّاب على الساعة السادسة صباحا ونخرج منه في الثامنة مباشرة إلى المدرسة, ثم من المدرسة إلى الكتّاب, لكي نحظى بعدها بساعة نتغدى فيها, ونلعب, وأيضا بسبب قسوة الظروف المعيشية لعامة الشعب, وإفراط بعض معلمي الكتاتيب في استعمال العنف, وهذا مشهود ومشهور.
قد يعتقد البعض أن عصر الكتاتيب مضى من غير رجعة, وأن المناهج العلمية الحديثة ستحلّ محلّه عاجلا, أو آجلا ولكنّي, أعتقد أنّه ككل شيء في هذه الحياة يحتاج فقط إلى تطوير, وإعادة بعث, فلن يختلف اثنان على أن مجتمعنا اليوم يرزح تحت نير انحلال خلقي ليس له مثيل, وقد تكون مسببات هذا الانحلال كثيرة كالتغيير في التوجه الاقتصادي, والعشرية السوداء, وزحف العولمة ولكن, ألا يكون لتراجع أداء الكتاتيب دور في هذا الانحلال؟
قد يحتاج الجزم بهذا إلى دراسة معمقة, وقد لا يكون صحيحا لكن, الأكيد أن الكتّاب إضافةٌ وفرصة للمجتهدين ليحققوا تفوقهم, ولتستغل الطاقات الاستثنائية, ولا تضيع.
هو لن يكون بديلا عن المدرسة الحديثة لكن, من الممكن أن يرافقها, فكما قال حافظ:
كم من طبيب قد أحلّ بطبه
ما لا تحل شريعة الأعراقِ
قتل الأجنّة في البطون وتارة
جمع الدوانق من دم مهراقِ
من الجيد أن يحظى التلاميذ بفرصة التعليم النظامي الذي ينمّي العقول ويوجهها إلى طرق التفكير المنطقي الموضوعي, لكن العلم وحده قد يبني القنابل النووية, والبيولوجية, ويخرب البيئة, ويفعل الأفاعيل, لذلك يكون من الرائع دائما أن يحظى الطفل بالإضافة إلى التكوين العلمي إلى تكوين روحي يوجه علمه فيم بعد إلى ما فيه خير البشرية, وليس إلى دمارها, وهلاكها.