السبت، 1 أغسطس 2015

http://www.elhayat.net/article29080.html

سنة 849 م كلف الخليفة العباسي (الواثق) بسبب رؤيا جاءته في المنام, كلّف (سلام الترجمان) بالقيام برحلة إلى حصون جبال القوقاز للبحث عن سدّ يأجوج ومأجوج، بالطبع لم تفض الرحلة إلى نتيجة لكن ما كتبه سلام الترجمان كان مثيرا للعجب, فقد صور السدّ النحاسي, والحرّاس, ومراكز المراقبة, وطمأنوا الخليفة أن ياجوج وماجوج مازالوا وراءه وأن طول الفرد منهم شبر ونصف, وهذا يعطي لمحة عن طابع أدب الرحلة, الذي لابد أن يعتمد الغرابة, والإثارة ولو بالتزوير والتلفيق, وهذا مشهود وثابت في أدب الرحلة على مر العصور, فأين هي الحقيقة في الإيلياذة والأوديسة وملحمة جيلجامش ومروج الذهب ورحلة بني هلال؟ 
كلها تندرج على خرافات لا يقبلها القارئ المعاصر.
وقد ازدهر أدب الرحلة في أوروبا ورافق الحملات العسكرية في أفريقيا وآسيا, ومنذ نشوء الإمبراطورية الرومانية, إلى فرنسا الاستعمارية, لا تخلو حملة من مؤرخين وباحثين يقومون بهذا العمل المقيت العنصري, يخدمون بأقلامهم حملات استعباد ونهب ثروات الآخر والترغيب في حربه وازدرائه وشيطنته, وقد قدم التجار والعسكريون البرتغال قزمين نمساويين لإحدى ملكاتهم على أنهما زوج من الهنود الحمر للاستمرار في تقتيلهم.
إذا كان أدب الرحلة المطروح في ديوان اليوم هو من هذه الشاكلة فقد ذهب غير مأسوف عليه, وقد ترك الأمر أو سيترك لا محالة للمناهج الحديثة, والدراسات الاجتماعية الجادة, 
بإمكاننا اليوم أن نعلن موت أدب الرحلة لهذه الأسباب الموضوعية, ولأسباب أخرى ذاتية, أولها أن أديب اليوم لم يعد رحالة, بل سائحا, وبين الرحلة والسياحة فرق شاسع, الرحلة متاعب وأخطار, ومفاجآت, أما السياحة فمتعة وراحة وتسلية, ولو قدر لأحد الكتاب أن يسافر إلى داعش, أو أفغانستان, فلن يفوت تلك الفرصة, ولن يتركها تمضي دون أن يؤرخ لها, وللأخطار التي تكبدها, والمشاهد التي عاشها, ولكن الكتاب يفضلون تركيا, وفرنسا, والثانية أن السفر صار متاحا للكثير, فلن تقرأ كتابا عن بلد بإمكانك أن تراه بعينيك, وقد ساهمت وسائل النقل الحديثة في ذلك التراجع, فالطائرة تقلك من مطار هواري بومدين وتلفظك في غايتك مباشرة, ولو كان الإنسان يسافر ماشيا أو على بغلة فسيكون الوقت أمامه طويلا للكتابة وسيصادف حتما مشاهد يريد أن يرويها من القرى والمدن التي يرتاح ويبيت فيها. 
مات أدب الرحلة ولكن رحلة الأدب مستمرة, فكل رواية, وقصيدة, وقصّة, ومسرحية هي
رحلة في المكان, وأيضا في الزمان والذات.