الأربعاء، 28 يناير 2015

هل هي خطة صغيرة داخل المخطط الأكبر؟

على عكس الجمعيات ذات الطابع السياسي، أو الرياضي، أو حتى الخيري، والتي تستفيد أكثر بتوفر مثل هذه المنابر، ومواقع الدعاية (المجانية)، كان لمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة تأثيرا مدمرا على أداء الجمعيات(الثقافية) أو جلها، فالجمعية في الأصل مجردرابط بين مجموعة من الأشخاص لتحقيق فائدة غير مادية، لذلك يمكن اعتبار المجموعات الفيسبوكية جمعيات غير معتمدة، توفر تقريبا ما توفره أي جمعية ثقافية. تقاسُمَالمعلومة، ومشاركةُ الأفكار، وإيصال الصوت، بل إن المجموعات الافتراضية قد توفّر أكثّر من الجمعيات التقليدية من حيث حرية الرأي، والاختلاف، والتواصل بسهولة أكثر، فأنت في منزلك، على سريرك، في المطبخ، أو في خمس دقائق مسروقة من ساعات العمل، بكبسة سحرية تصل إلى مجموعتك، ويمكنك الاطلاع، والمشاركة في كل ما قيل وأنت غائب، مع العراقيل البيروقراطية التي تميّز طبيعة العمل الجمعوي في الجزائر، وفي العالم، والتي أقلّها الانخراط، والتنقل، وتوفر مقرّ، يصبح الاختيار تحصيل حاصل.
يؤسّس الجمعيات عادة وينخرط فيها أشخاص تتوفر فيهم روح التطوّع، والتضحية، والقدرة على الاتحاد، والعمل ضمن مجموعة، والولاء، وهذه التزامات شاقة باعتبار هذا العصر المادي، الغارق في السهولة، والرفاهية، و(الحرية)، ومع توفر بديل كالفيسبوك، أو تويتر، والذي يعطيك أيضا الحقّ في صوت مساو لأيّ صوت آخر -فلا رئيس، ولا مكتب ولا أمانة قد تأخذ عنك قرارات-تتناقص الجدوى من إنشاء جمعيات أو الانخراط فيها. هذا ما أدى إلى تفتت وضعف كثير من الجمعيات ذات الباع، من مثل اتحاد الكتاب الجزائريين، وغيره. مغرياتكثيرة ومتنوعة ضد كيان واحد، أسلحة، وعوامل تتضافر لتحطيم هذا البناء الذي كان يترعرع بين أحضانه الشعراء والكتاب الكبار.
فالجمعية التي تطلب أن تتوفر في أعضائها تلك الخصال، حبّ التطوع، والتضحية، والولاء، وغيرها، هي أيضا تربّيها، من خلال الاحتكاك المباشر، والعمل الميداني، والنقد المتبادل بين أشخاص متفاوتي الخبرة، الجمعية تربّي على الالتزام، والنظام. الجمعية تقرب وتحتوي، فهي قد تضم أشخاصا بأفكار وعقائد وإيديولوجيات مختلفة، لكنهم يعملون جنبا إلى جنب في إطار واحد، وهذا يصقل الأفكار،ويغذيها، أما مواقع التواصل الاجتماعي، فهي ليست من التواصل في شيء، لأنك ستقوم بحذف وتجاهل كل من لا يعجبك كلامه، أو حتى طريقة كلامه، وستكتفي بمن يقولون لك الأشياء التي تحب أن تسمعها، ويكتفي كل طرف من سماع الطرف الآخر نهائيا، مواقع التواصل الاجتماعي إنما هي مواقع للقطيعة والانغلاق، تنمّي الكسل، وعدم الالتزام، وهي التي تحمل الحرية كشعار، أشد أعداء الحرية قمعا، إنها تملك كل شيء عنك، اسمك، وهاتفك، وعنوانك، وعائلتك، وأفكارك في قاعدة بيانات كبرى، وهي، تقترح عليك أصدقاءك، وتجرّك من عضو فاعل إلى مجرد اسم افتراضي.
الجمعية تستأثر بالنشاط الجواري، أي أن القارئ المحتمل قد يسمع بنشاط قريب من منزله، وهو ربما لاعب كرة، أو طبيب، فيحضر، ولو من باب الفضول، يحضر ليأخذ فكرة، أو قد ينجر ليكون قارئا فعليا، وربما مشاركا في الحياة الثقافية، بينما يعزل الفيسبوك الناس عن بعضها ضمن الاهتمامات الأساسية، لاعب الكرة سيبقى لمشجعيه، والطبيب لمرضاه.فهل هي خطة صغيرة داخل المخطط الأكبر؟ هل هي لعبة أخرى من ألاعيب هذا (النظام العالمي الجديد)، هذه الوحدة الجديدة، والتي لن تتحقق إلا بتحطيم الوحدات الأخرى. الجمعية، العائلة، القبيلة، وحتى الوطن، والوطن القومي، أم أن الزمن سيثبت العكس؟ المهم، أن الجمعيات اليوم، وكل هذه الوحدات، هي أمام تحديات كبرى، وصمودها، أو انهيارها، سيحدد معالم كثيرة أخرى في حياة البشر.


يومية الحياة 13/01/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق